بقلم: يوسف عبدالرحمن
يا شعبنا الإريتري في الداخل.
|
الزعيم أحمد ناصر
.
|
|
الزميل يوسف عبدالرحمن بجانب
القائد ابراهيم سلطان واول رئيس للبرلمان
الاريتري في الندوة الدولية في تونس 1982
.
|
|
القائد عثمان قلايدوس رحمه الله مع الزميل
يوسف عبدالرحمن في اريتريا المحررة 1986
.
|
يا شعبنا الإريتري في الخارج.
الى الشعب الإريتري القابض على الجمر.
إلى أجيال إريتريا في أرض الشتات.
الى الثوار والسياسيين والمفكرين والمثقفين الإريتريين.
الى الأمة العربية والأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء.
أسطرها لكم حقيقة: «العظماء لا يموتون»، وأحمد ناصر أحدهم، وهكذا هم العظماء، حضورهم فاعل ومؤثر، وفقدهم موجع ومؤلم، فقيد امتنا اليوم هو الزعيم الإريتري احمد محمد ناصر ابوبكر ـ طيب الله ثراه ومثواه ـ فلقد غيب هادم اللذات هذا الزعيم الإريتري التاريخي البارز احمد محمد ناصر ابوبكر، وذلك اثر نوبة قلبية ألمت به في ستوكهولهم العاصمة السويدية التي قضى بها سنواته الأخيرة في صباح الأربعاء الماضي الموافق 26/3/2014 في المهجر، وكحال الكثيرين من أبطال اريتريا، الذين دافعوا واستماتوا في الدفاع عنها، وعندما تحررت قام أسياس أفورقي والطغمة الحاكمة بمنع كل اريتري معارض من الدفن في وطنه الأصلي اريتريا، التي لم تحرر بعد.
انني كمواطن كويتي أعزي أهلنا في اريتريا، وأدعوهم بهذه المناسبة الحزينة الى التأمل بعد التألم في وفاة هذا الزعيم الاريتري، الذي أعتبره، بعد ان عرفته عن قرب، مساهما الى حد كبير، بعيدا عن التجاذبات، في تعزيز ديموقراطية الحوار وتفعيله، رغم إعجابي الشديد بجاهزيته الدائمة واستعداده للنزول الى ميدان القتال من أجل تحرير أرضه وشعبه بمعنى اتفقت معه أو اختلفت تحترمه وتحترم تاريخ نضاله وجهاده من أجل اريتريا.
ورغم تحرير اريتريا، فإنه وغيره من الزعماء والقادة والثوار لم يفرحوا بهذا التحرير، لأن اريتريا في حقيقة الأمر لم تتحرر حتى الآن، وهي عبارة عن «دولة سجن»، بعد سيطرة الجبهة الشعبية بقيادة اسياس افورقي، الذي قاد الدولة بعقلية الجبهة للأسف الشديد، وحولها الى معتقل للأبطال والثوار الإريتريين الأماجد.
زعيم تاريخي
لا مبالغة في وصف احمد ناصر بـ «الزعيم التاريخي»، وهذا لقب مستحق لقامة الرئيس احمد ناصر، رحمه الله، وهو من أغلى الرجال في اريتريا، وتاريخه مطرز بالتضحية والوفاء والالتزام والعطاء.
احمد ناصر هو امتداد للرجال العظام: القائد الرمز الشهيد حامد ادريس عواتي مفجر الثورة الاريترية، والمناضل الفذ ابراهيم سلطان علي، وعبدالقادر كبيري، تسفا مريام ولد مريام، وعثمان صالح سبى، وعثمان قلايدوس، وعبدالله ادريس، وعبدالقادر الجيلاني، وحامد ادم سلمان، وادريس محمد ادم، وطه محمد نور، والشهيد البطل تمساح، ومحمد سعيد ناود، ومعلم الأجيال علي محمد محمود ومحمد صالح شوم كل هؤلاء وغيرهم كثير كان لهم دورهم في مؤتمر «عنسبا» ومؤتمر «عرادييب» ومؤتمر «ادوبحا» وعقب هذا المؤتمر التاريخي انشق اسياس افورقي ولجأ الى منطقته في المرتفعات عام 1970 وبدأ دوره الخياني التآمري على الشعب الاريتري البطل، فلقد انضم اسياس افورقي ومجموعته الى قوات التحرير الشعبية طموحا للوصول الى السلطة ولإضعاف جبهة التحرير الاريترية الأم، ومع الدعم الخارجي الكبير وسقوط الخونة نجح.
في 14/12/1971 انعقد المؤتمر الوطني الاول وحضره 561 عضوا يمثلون جيش التحرير الاريتري والمنظمات الجماهيرية وبعض الشخصيات الوطنية وتم انتخاب قيادتين هما:
1ـ المجلس الثوري وهو القيادة العليا وله صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية ويتكون من 15 عضوا بينهم ممثلان للعمال والمرأة.
2ـ اللجنة التنفيذية وتشرف على الاعمال اليومية وتنفيذ البرامج وتوجيهات المجلس الثوري وتتكون من 19 عضوا، من ابرز اعضاء المجلس الثوري في المؤتمر الوطني الاول برز المناضل احمد محمد ناصر ابوبكر وكان يرأسهم ادريس محمد آدم، وعن المرأة الأخت آمنة ملكين، وعن العمال علي عثمان حنطي.
في هذه الظروف من المؤتمرات برز المناضل النقابي أحمد محمد ناصر ابوبكر من رحم الثورة والمعاناة وعاين وشاهد ادوار الميليشيات الفلاحية الاثيوبية التي سيرها نظام الدرق في اثيوبيا ضد الثورة الاريترية، وفي المؤتمر الثاني الذي عقد في عامي 75 و1976 برز القائد الزعيم التاريخي احمد ناصر حتى عام 1981 ثم بدأ مسلسل الاخوة الاعداء.
من هو احمد ناصر؟
سؤال موجه الى الاجيال الاريترية الحالية، اما الجيل المخضرم فإنه يعرف تاريخ الرجل واجتهاداته ونجاحاته وعثراته.
انا سأجيب عن هذا السؤال الصعب من هو احمد ناصر؟
احمد ناصر من اسرة اريترية كحال الاسر الاريترية الكريمة التي كانت تعيش في محافظة اغردات والساحل ومحافظات كرن ودنكاليا ونقفه واغردات وتسيني ومندفرا وبارنتود وجزر دهلك ومصوع، تولى رعايته جده ناصر ابوبكر وهو من رموز العمل الوطني الاريتري الذي تصدى للقوى الاثيوبية الغاشمة وغيرها التي توالت على اريتريا مثل الطليان والبريطانيين، وكان جده رحمه الله احد رموز الحركة الوطنية من كتلة الاستقلال التي قادها القائد التاريخي ابراهيم سلطان علي، رحمه الله.
ارسل إلى العراق ليتعلم العلوم العسكرية في الكلية الحربية وعاد خريجا ليلتحق بصفوق جيش التحرير الاريتري، وتدرج حتى وصل الى رئاسة الجبهة في عز أمجادها الحربية إبان التصدي للاحتلال الإثيوبي وكان للرجل دوره البارز في ساحة المعارك وفي المحافل الدولية وكان صوتا إريتريا مسموعا في ذاك الوقت خاصة انه خريج وحدة المظلات في العلوم العسكرية.
انا اكتب تاريخه وأعرف تماما أن مدينة «عدي قيح» حزينة لأنه أتم الدراسة الابتدائية والمتوسطة قبل ان ينتقل الى العاصمة اسمرا ليكمل دراسته الثانوية وكان ملهما يعرف العربية والانجليزية، اضافة الى اللغات المحلية.
قد تكون هذه المعلومات البسيطة من خلال دراستي لمراحل بداياته وتشكيله الفكري.
تاريخ عريق
التحق أحمد ناصر بجبهة التحرير الإريترية عام 1966 وبعث إلى العراق 1967 وعاد للميدان العسكري عام 1968 وترأس فيها أول منصب قيادي عام 1969، وفي المؤتمر الوطني الأول عام 1971 انتخب في عضوية مكتب هيئة الأركان، وفي عام 1975 انتخب رئيسا لجبهة التحرير الإريترية.
ومن عام 1982 إلى 1994 كان رئيسا لجبهة التحرير (المجلس الثوري)، وفي عام 2001 تم انتخابه رئيسا للمجلس الثوري، وفي عام 2006 اصبح رئيسا لجبهة الإنقاذ الوطني، وفي عام 2012 تنحى وقدم استقالته من رئاسة جبهة الإنقاذ، وكانت استقالته مبررة بإتاحة الفرصة للدماء الإريترية الشابة، ولأنه يعرف عراقة الشعب الاريتري الذي يتميز برفض الخنوع والهيمنة وتفاعله مع الأحداث والمتغيرات.
علاقات خارجية قوية
يعتبر أحمد ناصر واحدا من الزعماء الإريتريين الذين لهم علاقات خارجية قوية ومؤثرة، وتاريخ الرجل يستعرض أدواره في كيفية قيامه الدائم لحشد التأييد للقضية الإريترية من خلال تواصله مع القادة والشعوب خارج إريتريا لأنه التقى الكثير من القادة العرب والأفارقة وله علاقات مع منظمات وجمعيات عربية وأوروبية، وكان جل اتصالاته واهتمامه الخارجي في كيفية استقطاب الدعم المالي والإعلامي والسياسي من اجل صالح القضية الإريترية.
شخصية وسيطة ووسطية
أحمد ناصر، إريتري وطني حتى النخاع، اعتقد انا – والله أعلم- ان الظروف لم تخدمه حينذاك، وساهمت إلى حد كبير في إحداث نقلة نوعية من خلال مسيرته النضالية المعارضة، خاصة انه بعد ترؤسه المجلس الثوري ومن خلال لقاءات قادة التنظيمات والأحزاب السياسية برز كمعارض إريتري، ولكننا شهدنا كيف استقبله قادة من الخارج ابرزهم ملس زيناوي والرئيس السوداني والرئيس اليمني وبعض قادة دول الخليج عام 2012.
أكيد هو وبلا شك احد فرسان إريتريا الذين وافتهم المنية، وللأسف دفنوا بعيدا عن وطنهم الذي وهبوه زهرة شبابهم ليكونوا بعد ذلك نبراسا ومشاعل تضيء طريق الأجيال الإريترية وتدعوهم الى تذكر رسائل هؤلاء القادة بضرورة الاستمرار في النضال حتى تحرير اريتريا ومن اجل وطن يسع الجميع مبني على دستور حضاري وديموقراطي واستقرار ونماء.
سمات شخصية فذة
أحمد ناصر كان بإمكانه وهو يزور بلدانا ورؤساء كثيرين ان يكوّن ثروة ولكنه اراد ان يغادر والكل يشهد له بالنزاهة والشفافية المالية طوال تاريخه السياسي في حين المقارنة نجد البعض سقط في هذه المعادلة الأخلاقية.
احمد ناصر يعجبني فيه شعار التعايش مع الآخرين، بلا تهميش او تحيز أو تميز، رزقه الله القبول، أحب شعبه فأحبه شعبه.
أحمد ناصر إريتري كان له حلم هو تحرير إريتريا وشهد هذا الحلم وفزع من نومه على الحقيقة.
احمد ناصر مدرسة باقية لأنه واحد من أبرز القادة الإريتريين الذين حاربوا إثيوبيا بشجاعة وصمود.
من يحقق حلم الفقيد؟
رحل أحمد محمد ناصر أبو بكر وفي تاريخه كبرياء قادة إريتريا وحلمهم الذي لم يتحقق اليوم بوجود إريتريا الحرة، إريتريا الدستور، إريتريا الوطن دون طائفية حزبية وتمييز وسجون ومعتقلات ومداهمات وقتل وتعذيب.
رحل أحمد ناصر وخلفه إرثه «مبادئ ونضالات وتاريخ قادة» أفنوا حياتهم كي تتحرر إريتريا.
رحل أحمد ناصر وروحه ما زالت تحوم لدخول الوطن الإريتري مع كوكبة الشهداء الذين سقطوا وسبقوه من أمثال عواتي وابراهيم سلطان وعبدالله إدريس وعثمان قلايدوس وإدريس محمد آدم وعثمان سبى، ذهبوا جميعا الى خالقهم وهم صامتون ليبقى اثرهم شعلة لا تنطفئ إلى يوم الدين ليحمل الراية من بعدهم أولادهم وأحفادهم لتنعم إريتريا بالتحرير الحقيقي والسلام.
|
مجلس عزاء أحمد ناصر بالعاصمة القطرية الدوحة
.
|
آخر الكلام
لولا تآمر الجبهة الشعبية وعلى رأسها أسياس أفورقي في أواخر سبعينيات القرن الماضي لكانت اريتريا اليوم عربية يعيش فيها المسلم والمسيحي على حد سواء ولها دورها الفاعل على كل صعيد.
لقد توفي قادة إريتريون عظام لهم تاريخهم المشرف ولم تحزن إريتريا وأسمرا وكل المدن فيها بسبب كابوس اسياس افورقي الجاثم على إريتريا السجينة والذي يرفض ان يدفن هؤلاء الأبطال في أرض إريتريا، ولكننا نقولها كلمة باسم كل طفل إريتري في الداخل والخارج، ان جثامين هؤلاء وأولهم أحمد ناصر، رحمه الله، الذي أعتبره أول رئيس لإريتريا ورفاقه الكرام هم الآن في كل الثرى الإريتري وفي قلوب شعبهم بالداخل والخارج، فهل تستطيع يا سيادة الرئيس أسياس افورقي ان تمنعهم؟! وسيعود رفاتهم الى قبورهم الأصلية هناك رغما عنك. وستعود اسماء المدن الاريترية القديمة المتطابقة مع مدن ومناطق بعض الدول العربية مثل بيشه، هجر، سامره، ام حجر، منصوره، مأرب، عين سبأ، حوره، رخمه، سيان، الكبار .. وغيرها ممن طمستهم وهم الدليل القوي على عروبه اريتريا أرض قدوم الصحابة رضي الله عنهم.
أتمنى عليك ان تستعرض التاريخ والثورات لتعرف النتائج!
انهم منارات لشعبهم وقدوات، والنصيحة ان ترحل، لا بل تعجل بالرحيل، فلن تسرق والله دولة من مواطنيها وان طال زمنك.
وفي ختام هذا التقرير الحاشد الذي أعتبره نقطة في بحر أحمد ناصر، رحمه الله، أتقدم لشعبه الإريتري الوفي وأسرته وذويه ورفاق دربه بصادق العزاء والمواساة، إنا لله وإنا إليه راجعون، وموعدنا القادم في إريتريا الحرة الأبية التي كانت ولا تزال وستبقى حلما لم يتحقق وسيحققه أبناء إريتريا الأبطال إن عاجلا أو آجلا.. وعاش الشعب الاريتري في الداخل المنتفض وعاش الشعب الاريتري في الخارج المعارض لحكم اسياس افورقي .. وعاشت اريتريا التواقه للحرية الحقيقية فلقد عايشت الثورة الاريترية اليتيمه والدولة المنسية في عهد اسياس افورقي الذي حرمها من حق تقرير المصير وإنا لمنتظرون.
|