الرئيسية / مقالات مختصة / صفحات منسيـة من تأريخ المـرأة الإرترية … لقاء مع المناضلة/ نسريت كرار

صفحات منسيـة من تأريخ المـرأة الإرترية … لقاء مع المناضلة/ نسريت كرار

 

 

أجرى الحوار الصحفي والاذاعي المعتقل / صالح جزائري
البداية … وتشكل الوعى الوطني


انتقلت الى مدينة كرن وهي لم تتجاوز مرحلة الطفولة بعد , ثم انتقلت في مرحلة لاحقة الى مدينة كسلا في السودان وهي في طور المراهقة , من مشاهد الطفولة الأولى المؤثرة والتي ظلت راسخة في وجدانها كذكرى مؤلمة عن الوطن مظاهرات الطلبة سنة1958م في مدينة كرن عندما أطلق جنود الاحتلال على المتظاهرين القنابل النارية بدلا عن مسيلات الدموع. . وكانت المحطة الثانية في تشكل وعيها الوطني احتكاكها بالرعيل الأول من المناضلين الذين كانوا آنذاك يعملون بالجيش السوداني ولعبوا دورا كبيرا في تفجير الثورة وكان هذا الاتصال يتم في منزل أختها بكسلا حيث كانت تلتقي هناك بأمثال الشهيد / طاهر سالم والشهيد / عمر أزاز بل وأكثر من ذلك بدأوا يكلفونها ببعض المهام الصغيرة مثل نقل بعض أغراض الثورة من مكان الى آخر في سرية تامة .
أيضا في تلك المرحلة كان أهم حدث علمي شغل الناس وأثار اعجابهم وتعاطفهم في كل بقاع العالم وهو بطولات الثورة الجزائرية وقد حظي ها الحدث باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام السودانية آنذاك وما لفت انتباه / نسريت أكثر هو دور المرأة في الثورة الجزائرية من خلال مشاهدتها لأفلام تحكي عن بطولات / جميلة بوحيرد وغيرها من المناضلات الجزائريات ومن هنا نما لديها الإحساس بضرورة مساهمتها ودورها كامرأة في الثورة الأرترية .
شهادة عن دور المرأة في مرحلة بدايات الثورة
تقول المناضلة / نسريت ” .. واضعين في الاعتبار درجة وعي مجتمعنا في تلك المرحلة والعقلية القيادية للثورة آنذاك ندرك تماما حجم المواجهة والرفض التي قوبلت بها مسألة مشاركة المرأة في العمل الثوري , ولكن ورغم كل ذلك فأن المرأة الأرترية تمسكت وبشدة بضرورة مشاركتها في العمل الثوري . زمن هنا وبعد مشاورات ومواجهات عديدة استطعنا تكوين أول خلية نسائية من خلايا الجبهة والتي كانت كلها خلايا للرجال فقط وكان ذلك في مدينة كسلا السودانية وبتأريخ الثامن من يونيو 1963م وضمت هذه الخلية الأسماء التالية :-

  1. جمع موسى بابور .
  2. ستل حامد .
  3. فاطمة محموداي .
  4. خديجة نور تكروراي .
  5. حذوا بخيت .
  6. عيشة عثمان .
  7. نسريت كرار .

قبل التأسيس الرسمي لهذه الخلية كان الكثير من الزميلات منخرطات في العمل الثوري السري وفي مختلف المواقع سواء كان ذلك في داخل ارتريا أو في السودان وعلى سبيل المثال من خليتنا كانت كل من الأختين / جمع بابور و ستل حامد أعضاء منظمات في العمل السري ما قبل تأسيس هذه الخلية وكان العمل في السودان في ذلك الوقت يتطلب السرية التامة وذلك للعلاقة الوثيقة التي كانت قائمة بين نظام الإمبراطور هيلا سلاسي ونظام الفريق ابراهيم عبود في السودان وكانت هناك اتفاقية لتبادل المجرمين بين هذين النظامين .

نتيجة لنشاطات عضوات هذه الخلية تكونت عدة خلايا نسائية أخرى وذلك خلال الفترة الممتدة من تأريخ تأسيس الخلية ألأولى وحتى عام 1965م وخاصة بعد سقوط النظام العسكري في السودان وتوسع رقعة انتشار الثورة الأرترية حيث ظهرت في كسلا خليتين أخريين بالإضافة الى خليتنا وعلى سبيل المثال أذكر من عضوات الخلية الثانية :
1/ زهرة علي 2/ آمنة “أم مرضية” 3/ عائشة جمع , كما تكونت الخلية الرابعة بمدينة القضارف السودانية أذكر من عضواتها 1/ حليمة محمود 2/ مدينة آدم 3/ خديجة آدم .
أما داخل المدن الأرترية فقد ظهرت خلايا نسائية غاية في النشاط ففي مدينة اغردات كانت هناك خلية مشهورة أذكر من عضواتها :1/ جمع عبدالله 2/ زهرة آدم يعقوب 3/ جمع أكتى 4/ آمنة عثمان .

ومن خلية كرن أذكر الأسماء التالية 1/ آسيا موسى 2/ سعدية عثمان 3/ عبيت همد . وفي هيكوتا 1/ سعدية محمد سعيد 2/ مريم جمع ” أم كرار”.
كما ذكرت سابقا ان النشاط التنظيمي واجهه عدم قبول ورفص كبيرين سواء كان من قبل المجتمع أو من قيادات الثورة آنذاك حتى وصل ألأمر الى عدم قبول الاشتراكات التي تدفعها هذه الخلايا وذلك بحجة ضعف النساء والخوف من أفشاء أسرار الثورة وأخيرا وبعد كثير من الجدل تم قبول الاشتراكات ولكن دون سند رسمي بالاستلام خوفا من أن تقع إيصالات الاشتراكات في يد العدو ! من جانبنا قبلنا بهذا التعامل المجحف على مضض لأنه لم يكن أمامنا بديلا آخر .
ان هذا كان على صعيد نظرة وتعامل قيادة الثورة آنذاك مع مسألة مشاركة المرأة في الثورة . والأمر كان أسوأ من ذلك بكثير على صعيد نظرة بقية أفراد المجتمع لهذه المسألة حيث وصفنا بأقذع الأوصاف وتعرضنا للطرد من منازل ألأسر وحتى من أسرنا وكنا نتعرض للتهكمات المؤذية مثل قولهم ( لا يمكن تحرير ارتريا بواسطة النساء ) , خلاصة القول حاول المجتمع أن يعزلنا باعتبارنا (نساء شاذات ومارقات على العرف والتقاليد ) , ولكن كان زادنا في هذه المعركة الغير متكافئة هو الأيمان الراسخ بعدالة القضية التي نناضل من أجلها , بالإضافة الى مواقف بعض الأفراد المتعاطفين والمؤيدين لحقنا وأذكر من هذه المواقف المتميزة ما قاله لنا الشهيد / طاهر سالم أثناء محنتنا هذه ( من أجل ارتريا اذا صفعوك في الخد ألأيسر فأدر لهم الخد ألأيمن ) , ولكن كان أهم درس خرجنا به من هذه المعركة هو ضرورة النضال من أجل حقوق المرأة جنبا الى جنب مع دورنا في النضال الوطني التحرري .
فيما سبق من حديث كان التركيز منصبا على بدايات العمل التنظيمي الوطني بالنسبة للمرأة أما على صعيد المشاركة الفردية فهنا تزدحم الذاكرة بأسماء الكثيرات من الزميلات اللائي لم يبخلن بشيء في سبيل هذا الوطن وعلى سبيل المثال قررت بعض الأخوات من خلايا السودان في عام 1965م الالتحاق بالميدان وبالفعل وصلت الى منطقة ( كتاى كش ) في إقليم القاش ستيت حيث رفض التحاقهن بحجة ( ان الالتحاق بالثورة ليس من حق كل من يطيقه من الرجال ناهيك عن النساء ) , وأذكر من هؤلاء الأخوات 1/ فاطمة محموداى 2/ آمنة محمود 3/ جمع بابور 4/ ستل حامد 5/ زهرة علي . ومن مدينة عدي قيح أيضا التحقن بالثورة الأختين 1/ جمعة عمر 2/ رحمة صالح وذلك في نهاية عام 1967م وبعد قضاءهن فترة وجيزة بالميدان تم تحويلهن الى السودان .

أما فيما يخص دور المرأة في العمليات الفدائية السرية في الداخل فيتبادر الى الذهن الدور البطولي للفدائية / سعدية تسفو في العملية الفدائية الناجحة والتي تم تنفيذها في مدينة كرن في أواخر الستينات ضد العميل المدعو / علي بخيت والذي قام بالعديد من الأعمال التخريبية ضد الثورة والمواطنين بعد خيانته للثورة , كما جرت عملية فدائية أخرى مماثلة في مدينة أغردات في النصف الأول من عقد السبعينات تم بموجبها تصفية العميل المدعو / أبو أحمد وكان وراء نجاح هذه العملية أيضا امرأة أسمها / رمانة صالح .

أن الحديث عن الأدوار الوطنية التي قامت بها المرأة في تلك المرحلة المبكرة من الكفاح المسلح لا تحصى ولا تعد فالمرأة هي التي كانت تقوم بأعداد الطعام للثوار في الريف وهي التي كانت تساعدهم في ادخال أو إخراج كل المتطلبات من والى المدينة , وهنا تحضرني قصة أول شهيدة في الثورة وهي الشابة فاطمة جعفر من مدينة هيكوتا هذه الشابة وفي بداية 1964م كانت همزة الوصل بين الثوار ومركز هيكوتا ففي ذات يوم وهي عائدة من الميدان أطلق عليها جنود العدو- والذين كانوا قد اكتشفوا أمر تحركاتها – النار فأردوها قتيلة , وعندما تساءل سكان المدينة عن أسباب قتلها كان الرد الذي تلقوه من جنود العدو ( لم نتبينها واعتقدنا أنها غزالة فأطلقنا النار عليها !!؟) . أنا أعتبرها أول امرأة شهيدة  في الثورة الأرترية باعتبار أنها لاقت حتفها وهي تقوم بتنفيذ مهام ثورية .
الوعى بقضيـة المـرأة

بخصوص هذه المسألة تقول المناضلة نسريت ( أن الوعى بقضية المرأة تولد من صميم المواجهة العنيفة التي وجدناها من قبل المجتمع وقيادات الثورة والمتمثلة في التنكر لدور المرأة الوطني وكان ميلاد الوعى بقضية المرأة صعبا وعسيرا كلفنا نحن رائدات الحركة النسائية الكثير من المعاناة الاجتماعية والنفسية .

بعد عودتي من الدورة الطبية بالعراق وأثناء عملي كممرضة بجهاز الخدمات الصحية في عام 1969م بدأنا نحن المتواجدات بالسودان وفي أرتريا المطالبة بتأسيس اتحاد للمرأة الأرترية ولكن قيادة الجبهة حاولت الالتفاف على هذا المطلب من خلال اعتماد ” رابطة المرأة الأرترية بالقاهرة ” كاتحاد عام للمرأة الأرترية وحقيقة أن هذه الرابطة كانت تتكون من بعض الطالبات النشطات واللائي كن يدرسن بالقاهرة أمثال / آمنة ملكين / حرقو كنتيباى / زهرة جابر , وقد قمن آنذاك بدور لا يستهان به في التعريف بالقضية الأرترية والحصول على المنح الدراسية وكان رأينا ان هذه الرابطة لا يمكن ان تكون بديلا عن تأسيس الاتحاد , وبعض نضالات متواصلة وكنتيجة لها أقر المؤتمر الوطني ألأول للجبهة عام 1971م ولأول مرة أقر قيام المنظمات الجماهيرية وفي عام 1974م تم انعقاد المؤتمر ألأول والتأسيسي للاتحاد العام للمرأة الأرترية .
بعد تأسيس الاتحاد أيضا واجهتنا مشاكل كثيرة منها : انعكاس صراعات قيادة الجبهة على نشاط الاتحاد ومحاولات الغاء دورنا كقيادة للاتحاد وتسيير الاتحاد وفق أمزجة القيادات بل وظهرت بعض الأطروحات التي تطالب بإلغاء ألأتحاد نهائيا باعتبار أن المرأة تشارك فعليا في كل أجهزة الثورة الا أننا كنا نتصدى لكل هذه الممارسات والأطروحات متمسكين بضرورة استقلالية هذه المظلة النسائية ) .

المرأة … اليـوم
وفي ختام اللقاء قالت المناضلة نسريت ( في رأيي ان المكانة الاجتماعية التي تتبوأها المرأة والمواقع القيادية التي تحتلها اليوم في ظل ارتريا الحرة لم تكن هبة من أحد وانما هي نتاج مسيرة نضالية تخللتها الكثير من العطاء والتضحيات والمشاركة الفاعلة عبر مختلف المراحل النضالية وأعتقد ان هذه المكانة والمكاسب أقل مما قدمته المرأة الأرترية وعليها ومن خلال التمسك أكثر بحقوقها أن تعمل على نيل مواقع أكثر تقدما بقدر ما أعطت لهذا الوطن الغالي . ) .
المحرر : أجرى هذا اللقاء في عام 1995م.

((منقول من صفحة المنتدى الارتري للتغيير))

 

Directory Wizard powered by www.polldirectory.net

Watch Dragon ball super