(هذه النبذة تم اقتباسها “بتصرف” من سلسلة مقالات كتبها الراحل المقيم الأستاذ المناضل عمر جابر عمر رحمة الله عليه ).
الحركة الطلابية في العالم النامي – وفي إرتريا بصفة خاصة كانت محكومة في حركتها ومحتواها و أهدافها بما كان عليه الحال في البلاد – سياسياً واجتماعياً .
الحركة الطلابية لها أهداف نقابية لخدمة أعضائها والمطالبة بحقوقهم الأكاديمية والثقافية – ولكن الوضع السياسي أخذ الأولوية بسبب تأثيره المباشر علي إمكانية تحقيق المطالب النقابية الأخرى وبسبب تهديده المباشر لحرية التنظيم وحركة الطلاب وفوق ذلك كله تهديد للهوية الوطنية وتغييرها إلي هوية إثيوبية .
تلك كانت البداية – الوعي بالقضية الوطنية وضرورة الدفاع عن الهوية ومقاومة الاحتلال الإثيوبي .
ذلك كان الإطار – ولكن شكل ومحتوى التحرك حددته عوامل جغرافية واجتماعية وسياسية .
لهذا سأتناول دوائر ثلاث شهدت تحركا طلابياً ظاهرياً بمعزل عم بعضها البعض ولكن في أهدافها وحركتها كانت تلتقي حول قواسم مشتركة وحدت فيما بينها فيما بعد خاصة في الخارج .
- الدائرة الأولى – كانت إريتريا – حيث أصبحت الحركة الطلابية في مواجهة مباشرة ويومية مع سلطات الاحتلال الأثيوبي .
- الدائرة الثانية – القاهرة – حيث بدأ العمل الدبلوماسي والإعلامي المبكر لنشر القضية الأرترية .
- الدائرة الثالثة – الشرق الأوسط و أوربا حيث أخذت الحركة الطلابية بعدها العالمي وأصبحت ( سفيراً ) للوطن في مناطق كانت مقفلة علي الثورة الارترية ، ولا يسمح فيها بالحديث عن القضية الارترية .
- هذا الترتيب لا يتفق مع البداية وظهور حركة الطلاب ولكن ذكرته لإعطاء الأهمية للداخل – فهو الأصل والمنبع وما حدث في الخارج كان متجهاً في مجمله لخدمة ذلك ( الداخل ) والدفاع عنه ولكن لاعتبارات التسلسل التاريخي سأبدأ بالدائرة الأولى القاهرة:
القاهرة:
بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الحركة الوطنية في إريتريا تحركها – نشأت الأحزاب وصدرت الصحف وهي الفترة التي أطلق عليها ( فترة تقرير المصير – 1946-1952م) كانت تلك الفترة هي التي نشأ فيها الجيل الجديد وتشرب من شعارات ومواقف الحركة الوطنية والرسالة الرئيسية التي حملها ذلك الجيل كانت : مقاومة الاحتلال الإثيوبي والنضال من أجل استقلال إريتريا. ولما كانت الأوضاع داخل إريتريا لا تسمح بنمو واستمرار ذلك التوجه وبما أن التعليم ( أداة النضال الأساسية ) كان محرماً أو غير متيسر في إريتريا فان الهجرة إلي الخارج لاكتساب العلم كانت هي الخيار إمام ذلك الجيل . بدأت الهجرة منذ عام 1946م – عن طريق السودان سيراً علي الأقدام حتى الحدود الشمالية للسودان وصولاً إلي مصر ! لماذا مصر ؟
كانت هناك منارة للعلم يقصدها كل المسلمين في العالم – الأزهر الشريف – وكان الدافع وجود الوعي الأولي بالارتباط الثقافي بين إريتريا ومصر – تاريخياً وحضارياً .
لم تكن تلك ( الرحلة ) سهلة – فالمهاجرين لم تكن لديهم وثائق سفر ولا إمكانيات مادية تساعدهم علي مواجهة التحديات لذا فقد كان البعض يتوقف في منتصف الطريق – وسط وشمال السودان – أما ليلتحق بخلاوي القرآن أو للعمل للحصول علي زاد الطريق. بدأ وصولا الارتريين إلي القاهرة وكان المقر ( الأزهر ) وبصفة خاصة ( رواق الجبرته).
الانتقال من مجتمعات ريفية في إرتريا إلي مدينة كبيرة مثل القاهرة شكل تحدياً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً علي القادمين الجدد – ولكن إرادة الصمود والرغبة الشديدة في الحصول علي العلم جعلتهم يواصلون ويوجهون التحدي .
كانت الهجرة متواصلة وأن بصورة متقطعة وعلي شكل موجات صغيرة ولكنها لم تنقطع أبداً .
وبعد ثورة يوليو 19952م في مصر وجد الطلاب الإرتيريين مناخاً ملائماً للاستقرار والتحرك خاصة وأن ثورة يوليو كانت ترفع شعارات التحرر من الاستعمار وتنادي شعوب أفريقيا للنضال من أجل الاستقلال . وإثيوبيا لم تكن بعيدة – فقد رأت في وجود تجمع طلابي أرتري في القاهرة خطراً يهدد محاولاتها لطمس الهوية الارترية خاصة وأن الطلاب الإرتيريين في القاهرة بدأوا في التحرك الإعلامي بالتعاون مع قيادات الحركة الوطنية الأرترية . ولدأب ولد ماريام في إذاعة إريتريا بالتجرينية ومن بعد مع القيادات الأخرى . يذكر أن السيد / محمد فائق وزير الإعلام والدولة للشئون الخارجية الأسبق وأمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان في رسالة وجهها بمناسبة مرور خمسين عاماً علي تأسيس اتحاد الطلبة في القاهرة :
( طلب الإمبراطور هيلا سلاسي من الرئيس جمال عبد الناصر أن يكون استقدام أي طالب إرتيري لتلقي العلم في مصر عن طريق الحكومة الإثيوبية ، ولكن عبد الناصر أعتذر بان هناك معاهد ودور علم في مصر لا تخضع لسلطة الحكومة ويصعب أن نطلب منها ذلك .) ! .
ويقول السيد محمد فائق في نفس الرسالة ( خلال فترة الخمسينات والستينيات كنت أعطى تعليمات مستديمة علي الحدود المصرية بالا يرد أرتري جاء طلباً للعلم . (
كانت الهوية الأرترية موجودة في عقل وضمير هؤلاء الطلبة ولكن ثورة يوليو المصرية أعطتهم أملاً في تحقيق تلك الهوية علي أرض الواقع ومنحتهم زاداً للكفاح وبيئة سياسية يتحركون فيها .
ومن أجل تحقيق ذلك الهدف كان لابد للطلبة الارتريين من اللقاء والتعاون والاتفاق – وهكذا التقت المجموعة الأولى في يناير 1952م وأنشأت ( نادي الطلبة الإرتيريين ) وكان مقره في ( شارع البنات – شارع بور سعيد حالياً ) ثم أنتقل إلي شارع شريف عام 1958م وما يزال هناك حتى الآن .
وقد ساهم الارتريون – من غير الطلبة – بتبرعاتهم في تأسيس ذلك النادي – كذلك بعض الهيئات المصرية ورجال العمل الخيري .
كان الهدف هو نشر الوعي والتحصيل العلمي من خلال الندوات ودعوة رجالات الفكر والأدب والسياسة في مصر . بالإضافة إلي الاتصال بالقيادات الوطنية الأرترية والعمل معها علي نشر القضية الأرترية . في تلك المرحلة التأسيسية كان عدد الطلاب في القاهرة يتراوح ما بين 75-80 طالباً جميعهم كانوا أما في المعاهد الدينية أو الثانوية أو المرحلة الابتدائية .
وكانت لجنة الإدارة بعد التأسيس تتكون من !
- عبد الله خيار
- الأمين عثمان الأمين
- عثمان إبراهيم بشير
- محمد برهان نور حسين
- علي محمود جاسر
- بشير صالح
- محمد شريف صالح
- إدريس عبد العليم
- عبد القادر حقوس
- محمد زين حسن
- يسرى بشير إبراهيم
- عبد الله عبد الرحمن
وكان هؤلاء الأعضاء يلجئون إلي رجالات المجتمع الإرتيري لمساعدتهم في مواجهة تكاليف تأجير المقر والقيام بأنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية . ومن هؤلاء الذين قدموا مساعدات للنادي في مراحله الأولى :
- كوليري عبد الله قنافر
- أخوان قسم الله
- عبد القادر كحساي
- حسن الحاج عبده
- إبراهيم محمد حسن
- أحمد باحبيش
- أخوان أبرا
- أحمد هلال
- جمال عبد القادر كبيري
وكانت للنادي أنشطة متعددة – رياضية ( فريق كرة القدم )
* ثقافة ( مكتبة) ونشرة أسمها ( الأمل (
* اجتماعية – خدمة الأعضاء وتسهيل التحاقهم بالدراسة واستقبال الوافدين الجدد ورعايتهم .
* سياسياً – الاتصال بالقيادات الوطنية وإقامة ندوات وتوزيع منشورات عن القضية .
تواصل تدفق الطلبة الارتريين وكانت تلك المرحلة 1951- 1958م هي مرحلة التأسيس ورسم ملامح الحركة الطلابية ودورها المستقبلي .
وكان أهم حدث في القاهرة – زيارة ممثل مجلس قيادة الثورة المصرية ( أنور السادات لمقر اتحاد الطلبة الارتريين وتشجيعهم علي مواصلة نضالهم من أجل حريتهم .
وكان أبرز حدث في إريتريا – إنزال العلم الارتري والإجراءات الأخرى التي أنهت وجود هوية إرترية – الأمر الذي جعل من نادي الطلبة الارتريين في القاهرة مركزا للمقاومة الوطنية وحركة سياسية ضد الاحتلال الإثيوبي حيث بدأت الحركة الطلابية في القاهرة مرحلتها الثانية .
القاهرة (2)
بعد انتهاء مرحلة التأسيس ، دخلت الحركة الطلابية في القاهرة مرحلتها الثانية 1958- 1963م
تميزت تلك المرحلة بما يلي :
- التحرك السياسي والإعلامي المكثف ضد إثيوبيا ومن أجل نشر القضية الارترية .
- تطور العلاقة مع المنظمات الطلابية الأفريقية والعربية المتواجدة في القاهرة .
- توسع التدفق الارتري إلي القاهرة – ولكن الأهم هو التغيير النوعي في مجالات تخصص دراسة الطلبة الارتريين .
إذا أخذنا البند الأول فأنه يمكن تسجيل الأحداث التالية .
* بعد إنزال العلم الارتري عام 1958 بدأ التحرك الطلابي يأخذ شكل مواجهة مباشرة ضد السفارة الإثيوبية في القاهرة ولكن الحدث الأكبر تمثل في اجتماع عدد من الطلبة مع القائد ( إدريس محمد أدم ) وتأسيس جبهة التحرير الارترية تنظيمياً وسياسياً عام 1961م كان المشاركون في ذلك الاجتماع التأسيسي هم :
- إدريس محمد أدم ( لاجئ سياسي)
- إدريس عثمان قلا يدوس ( طالب)
- محمد صالح حمد(طالب)
- سعيد حسين(طالب)
- طه محمد نور(طالب)
- أدم محمد علي أكتى (طالب)
- محمد سعيد عمر أنططا (طالب)
- سليمان محمد (طالب)
في ذلك اليوم أصبحت الحركة الطلابية طليعة الكفاح ضد الاحتلال الإثيوبي – ولم يتوقف الطلاب عند حد التنظير ووضع البرامج ، بل ذهبوا كما سنرى – إلى الانضمام إلي الثوار .
- قام الطلبة بمهاجمة السفارة الإثيوبية أكثر من مرة ودخلوا فيها وأخذوا منها وثائق واحرقوا اخرى وتعرضوا لإطلاق الرصاص من قبل أعضاء السفارة وجرح بعضهم وأعتقل أخرون من الأمن المصري .
- قاموا بتوزيع مذكرة أعدتها جبهة التحرير علي وفود قمة منظمة الوحدة الأفريقية في القاهرة .
رغم حصار رجال الأمن المصري لمقر المؤتمر .
استقبلوا ( هيلي سلاسي ) في مطار القاهرة بشعارات معادية مكتوبة باللغة الأمهرية لم تستطع أجهزة المخابرات المصرية معرفة مضمونها !
- قاموا بمظاهرات إمام مقر الأمم المتحدة في القاهرة وقدموا مذكرات ضد إثيوبيا .
- استطاع اتحاد الطلبة في القاهرة توسيع وتطوير علاقاته مع المنظمات الطلابية الأفريقية والعربية الأمر الذي ساعد علي نشر القضية الارترية .
والجدير بالذكر أن من قام بتوزيع المذكرة علي وفود مؤتمر القمة الأفريقية هم طلبة الصومال والسودان بحكم تواجد وفودهم رسمياً داخل المؤتمر وسهولة دخولهم إلي قاعة المؤتمر بصحبة وفود بلادهم
- علي مستوى الأكاديمي شهدت المرحلة الثانية توجه الطلاب الارتريين للدراسة في المعاهد العلمية والجامعات المصرية بعد أن كان معظمهم يدرس دراسات دينية في الأزهر . وكانت نتيجة ذلك أن تخرج العشرات من كليات الحقوق والتجارة والزراعة والعلوم وحتى الطب .
أصبحت القاهرة قبلة للطلاب الارتريين ومزاراً لمن أراد التعرف علي التطورات السياسية في إريتريا والاستماع إلي صوت الشعب الارتري .
بعد تأسيس جبهة التحرير كانت القاهرة مقراً لنشاط القيادة السياسية وكان اتحاد الطلبة مركزاً لإعداد وطبع ونشر صحيفة الثورة الناطقة باسم ( جبهة التحريري الارترية).
بعد أن كانت ( القاهرة ) جامعة للأرتريين أصبحت ( حاضنة ) للطليعة التي أسست الجبهة ومركز لإعداد و ( تصدير ) الكادر الذي شكل المستقبل السياسي والعسكري ( لجبهة التحرير الارترية).
- علي مستوى سياسي – قدمت القاهرة مجموعة من الرواد (جميعهم طلاب ) كجزء من القيادة السياسية ( المجلس الأعلى )
- إدريس عثمان قلايدوس
- محمد صالح همد
- سيد أحمد محمد هاشم
- طه محمد نور .
وبالمقابل تطوع من طلاب القاهرة العشرات للالتحاق بالعمل العسكري – أما من خلال دورات عسكري في الخارج ( سوريا العراق ) أو الذهاب مباشرة إلي الميدان وكان أول طالب يلتحق بالثورة هو ( حليب ستى ـ أحمد إبراهيم نفع ) ومن هؤلاء من وصل إلي مواقع قيادية عسكرية بل وسياسية في الثورة الارترية نذكر منهم .
- محمد عبده
- عبد الله إدريس
- عبد الكريم أحمد
- جعفر جابر عمر
- محمد علي عمرو
- رمضان محمد نور
- حامد أحمد عثمان
- صالح إبراهيم ( جمجام )
- أدم صالح شيدلي
- عثمان عجيب
- أحمد إبراهيم ( سكرتير )
وبعد تأسيس جبهة التحرير صدرت صحيفة ( الثورة ) الناطقة باسم الجبهة في القاهرة وكان المحررون والموزعون جميعهم من الطلبة وكانت أسرة التحرير تتكون من :
- محمد علي عمرو – رئيس التحرير
- رمضان محمد نور
- عبد الحميد سعيد ناصر
- عبد الكريم أحمد
- محمد علي أفعرورة
- محمد سعيد عمر
- محمد إبراهيم إدريس
- حامد صالح تركي
- محمد أحمد ( أحمدان (
وكان عنوان المجلة : (مجلة الثورة ) – مجلة شهرية – لسان حال الشعب الارتري .
وكان الغلاف يحمل خارطة أفريقيا وفي داخلها العلم الارتري وفي منطقة إريتريا يخرج البركان ( دليل علي اختيار الكفاح المسلح ) وعلى جانب من الغلاف رسم للجامع والكنيسة إشارة إلي وحدة الشعب الارتري !!.
تلك كانت مرحلة الانطلاق والبدء في استكشاف أفاق رحبة للخروج بالحركة الطلابية إلي عالم أوسع ونشر القضية الارترية وتثبيت ((البندقية )) في الساحة الارترية .
القاهرة (3) 1965-1969م
أصبحت القاهرة ( قبلة ) للأرتريين يقصدونها لتحصيل العلم ويقيمون فيها طلباً للحماية والعيش بسلام .
كانت السلطات المصرية تفتح أبواب الأزهر للأرتريين ولكنها كانت لا تعطي فرصاً كثيرة للالتحاق بالمدارس والجامعات المصرية . ولمواجهة ذلك الموقف كان الطلبة الارتريون يسجلون في الأزهر للحصول علي المنحة ثم يلتحقون بالمدارس ولكن ذلك لم يكن كافياً – لذا فقد بدأت هجرة من القاهرة إلي الدول العربية الأخرى : العراق – سوريا – الكويت – ليبيا – حيث وجد الارتريين فرصاً جديدة للتعليم في الجامعات العربية ، وبعضهم هاجر إلي أوربا . كانت الخلافات الارترية – الارترية قد تلاشت تقريباً بعد تراجع ( حركة تحرير أرتريا ) واختفائها عن المسرح السياسي الارتري .
قام اتحاد الطلبة الارتريين في شارع شريف بأنشطة ثقافية واجتماعية ورياضية جعلت من الارتريين قوة وسط الطلاب الأسيويين والأفارقة . ومن خلال تلك العلاقة استطاع الطلاب نشر قضيتهم خاصة وسط الأفارقة الذين كانوا ( يقدسون ) هيلا سلاسي ويعتبرونه رمزاً أفريقياً .
كانت سنوات 1965- 1969م أكثر سنوات الوفاق الداخلي والعطاء الثوري وحدة الكلمة والمواقف بين الارتريين في القاهرة .
كان التنافس بين الطلاب علي تحصيل العلم من جهة وتقدم صفوف المتطوعين للعمل الثوري من جهة ثانية وفي تلك الفترة برزت مواهب في شتى المجالات خاصة الأدب والشعر – نذكر هنا كمثال الشاعر عبد الرحمن سكاب والشاعر الأديب أحمد سعد ، كما ان العلاقة مع المجتمع المصري بدأت تأخذ أبعاداً جديدة خاصة مع الأدباء والصحفيين ورجال الفكر .
وكان التنافس علي مقاعد إدارة اتحاد الطلبة يتسم بالنزاهة وتقديم الخدمات الأفضل للطلاب خاصة في المجال الاجتماعي ورعاية القادمين الجدد وتسهيل التحاقهم بالمعاهد الدراسية المصرية . ولكن مع التقدم في تلك المجالات وزيادة وتوسع أنشطة الاتحاد كانت هناك ظاهرة بدأت تبرز في المناخ السياسي الارتري وكان لها أثارها وتأثيرها في المراحل اللاحقة . كان بعض الطلاب يعتقدون أن لهم ( حق ) تاريخي علي قيادة الجبهة ( المجلس الأعلى ) وبالتالي فان علي تلك القيادة أن ترفع ( تقريراً إلي هؤلاء الطلاب !! وبحكم تواجد تلك القيادة ( المجلس الأعلى ) في القاهرة فان العلاقة كانت شبه يومية والاحتكاك كان مباشراً .
وبالمقابل فان قيادة الجبهة بعد السنة الأولى من التأسيس بدأت تحركها واتصالاتها لكسب التأييد وتجنيد الارتريين في المهجر .
تحرك السيد إدريس محمد أدم إلي السودان والتقى الجنود الارتريين في الجيش السوداني وكانت بداية التحاق هؤلاء الجنود بالقائد ( عواتى ) وتأسيس العمل العسكري . ثم أنضم إلي المجلس الأعلى السيد / عثمان صالح سبى . وبدأ التحرك نحو العمال في السعودية الذين جمعوا التبرعات لشراء أسلحة .
وتم افتتاح أول مكتب للجبهة في الصومال ثم سوريا وأصبحت قيادة الجبهة لا تلتقي مع الطلاب الارتريين في القاهرة آلا نادراً وأثناء المرور بالقاهرة .
توسع التنظيم وأنتشر وخرج عن مرحلة ( الحضانة ) الطلابية ولكن بعض الطلاب لم يستوعب ذلك التطور خاصة في ظل غياب ( مرجعية ) لقيادة الجبهة – لا مجلس تشريعي ولا مؤتمر – ولكن تلك قصة أخرى – المهم أن الطلاب بدأ تمحور هم التنظيمي واصطفافهم السياسي وفق قاعاتهم ومتابعاتهم وعلاقاتهم ، مع قيادة الجبهة ( المجلس الأعلى ) الذي تبدلت تركيبته ومسميا ته وأصبح علي غير ما بدأ في الإطار وانتهى إلي غير ما حسب هؤلاء الطلاب . وفي تلك المرحلة برزت قيادات طلابية جديدة في القاهرة نذكر منهم .
- سراج موسى عبده
- عبد الله عمر ناصر
- عمر محمد سليمان
- محمد عثمان أبوبكر
- عبد الله نعمان
- إبراهيم محمد إبراهيم
- علي إبراهيم خلفية .
هؤلاء وأن بدأوا في إطار اتحاد الطلبة في إطار اتحاد الطلبة في القاهرة آلا أنهم سرعان ما تقدموا الصفوف في مرحلة التوسع في الشرق الأوسط ومن بعد ( الاتحاد العام لطلبة إريتريا ) وأخيراً كانوا رموزاً للخلافات التي عصفت بالحركة الطلابية والتي كانت نتاجا مباشر لما حدث في جبهة التحرير من انشقاق بعد عام 1971م سنتطرق إلي ذلك بالتفصيل عندما نتناول تكوين الاتحاد العام لطلبة إريتريا بشقيه ( بغداد – القاهرة ) ولكن الآن سنذهب ( إريتريا وماذا حدث هناك وكيف اختلفت التجربة في الداخل عن تلك التي بدأت في القاهرة.
الدائرة الثانية : إريتريا
- كرن
كانت مدينة ( كرن ) القلب النابض للحركة الوطنية الارترية – بعد الحرب العالمية الثانية ، شهدت ميلاد ( الرابطة الإسلامية ) وأصبحت مركزاً للقيادات الحركة الوطنية ومقراً لنشر رسالة ( الاستقلال الوطني ) ورفض المشاريع الإثيوبية لابتلاع إريتريا والمشاريع البريطانية لتقسيم البلاد .
في ذلك المناخ السياسي نشأ جيل جديد بدأ خطواته الأولى وهو يسمع ويشاهد ويتابع والتحق بالمدارس وأصبح يلتقي ويناقش . وبعد فشل المشروع الوطني وتطبيق القرار الفيدرالي عام 1952م بدأت إثيوبيا تعمل تدريجياً علي الغاء القرار الفيدرالي فقرة بعد أخرى وبدأ الزعماء الوطنيون احتجاجاتهم ألغت إثيوبيا ( شارات السيادة الارترية ) في أجهزة الدولة ( الشرطة – الجمارك – المرور الخ ثم قامت بالانقلاب علي رئيس البرلمان السيد / إدريس محمد أدم ، والذي رفض الموافقة علي مخططاتها بإنزال العلم الارتري وإلغاء اللغة العربية .
في بداية عام 1958م بدأ الطلاب في مدارس كرن اجتماعاتهم ومشاوراتهم – كانوا يتابعون الأحداث وكانوا شباباً لا يتجاوزون السابعة عشر يحركهم حماس وطني وتدفعهم روح المقاومة ضد الهيمنة الإثيوبية .
لم يكونوا جزءا من حزب أو حركة سياسية بل كانوا ( أفراداً ) ارتبطوا بترابهم وقضيتهم ووطنهم .
صحيح أن أنظار إثيوبيا لم تكن تتجه إليهم فلم يكن قد صدر عنهم بعد ما يشكل خطراً علي إثيوبيا ولكن بعد أن صدر عنهم البيان الأول ) والذي يدعوا الشعب الارتري إلي اليقظة والدفاع عن الوطن بدأت إثيوبيا تتابع باهتمام ما يقوم به هؤلاء الفتية .
كانت حركتهم يومية – وسط المواطنين – في الأسواق وفي المنازل – في الشوارع والملاعب كانوا يطاردون ( العملاء ) ويحرجونهم مثلا :
* كان أحدهم ينتعل حذاءين ( وليس حذاءً واحد ) مرة واحدة علي أن يكون الحذاء الأسفل ملون بلون العلم الإثيوبي ويرمز إلي العملاء )
* وكان أخر يحمل العلم الارتري في جيبه وعندما يرى أحد العملاء يخرجه ويخاطب العميل دون أن ينظر إليه : هل أبيعك يا علمي الحبيب؟
* وكان ثالث يضع الشارات التي ألغتها إثيوبيا ويحاول تذكير الناس بها . أو يحمل الدستور الارتري وكلما قابل عميلا سأله عن مادة من مواده وهكذا كان نشاطهم اليومي مركزاً علي القضية الوطنية ولا شيء غيرها.
ولكن في الشهر الخامس قرر الطلبة تصعيد الموقف وتغيير أسلوب التعبير وخرجوا في أول تظاهرة طافت شوارع مدينة كرن وضمت جميع الطلاب بما فيهم أولئك الذين أتوا من خارج ( كرن ) كانت مظاهرة فريدة وجريئة شارك فيها المئات من الطلاب بالإضافة إلي بعض ( أبناء السوق ) الذين أردوا التعبير عن تضامنهم مع الطلاب ولم تتردد السلطات الإثيوبية في استخدام كل وسائل القمع والإرهاب واعتقلت أكثر من خمسين طالباً وضعتهم في السجون بصورة غير إنسانية حيث كان أكثر من عشرين شخص يوضعون في غرفة واحدة !
والغريب أن الجنرال ( تدلا عقبيت ) عندما جاء لتفقد الأحوال في اليوم الثاني ووجد تلك الصورة أمر بترحيلهم وتوزيعهم علي مناطق أخرى قائلاً : نريد تأديبهم وليس قتلهم !
وأصبحت قضية الطلبة محور الحركة والتحرك في المدينة . كانت السلطات الإثيوبية تريد ( اختيار ) بعض القيادات الطلابية ومحاكمتهم بالسجن لسنوات ليكونوا عبرة للآخرين ، وكان سكان المدينة يريدون حماية أبنائهم بأي ثمن . كان المطلوب رقم (1) هو الطالب ( محمد سعيد عمر أنططا ) وكانت التهمة هي التحريض والتآمر والإساءة إلي الدولة ! .
وكان علي السكان اللجوء إلي وسائلهم الخاصة للدفاع – ذهبوا لأخذ ( فتوى ) من الشيخ إمام الجامع حول الإفادة الغير صحيحة لإنقاذ مسلم !؟ .
وكانت الإجابة : نعم لإنقاذ روح مسلم برئ يمكن تضليل السلطة !!.
وشهد شهود بأن الطالب المتهم كان معهم وتحت أنظارهم ولم يفعل أكثر من غيره !وحكم علي الطالب ( محمد سعيد أنططا ستة أشهر قضاها في السجن . كانت لجنة الطلاب التي نظمت وقادت وحرضت تتكون من .
1- محمد سعيد أنططا
2- محمد عمر يحي
3- أدم محمد علي أكتى
4- عافه عثمان ضرار
5- جامع عبد الرحمن
6- هاشم مهري
7- علي محمد صالح
8- عبد الرحمن سكاب
9- عثمان زرؤم
تلك كانت الشرارة الأولى ومنها انطلقت إلى مدن أخرى – ومع تصاعد المقاومة الوطنية ضد التجاوزات الإثيوبية كانت الحركة الطلابية تتصدر تلك المقاومة في كافة المدن الارترية .
دائرة إريتريا:
(2) أسمرا :
كانت ( كرن ) مركز نشاط الحركة الوطنية الارترية وكما ذكرنا في الحلقة السابقة فأن تأثير علي الطلاب كان مباشراً وبشكل يومي . لم يكن الحال في العاصمة ( اسمرا ) كذلك – كانت هناك قوى الانضمام ( أندنت) والقوى الأساسية للشرطة والأمن وأجهزة الدولة ومئات الموظفين الذين كانوا يطمحون في حياة جديدة مع الفدرالية . لم يحقق المشروع الوطني ( الاستقلال ) أهدافه ولكن بالمقابل لم تقتنع إثيوبيا بالقرار الفدرالي فعملت علي تفكيكه وإلغائه خطوة خطوة للوصول إلى ضم إريتريا نهائياً في نوفمبر 1962م .
كان في ( أسمرا ) البرلمان والصحف – وكانت القوى الوطنية خاصة الكتلة الاستقلالية والكتاب والصحفيون يخاطبون أعضاء البرلمان ويناشدونهم للتمسك بالقرار الفدرالي والتصدي لمحاولات إثيوبيا الرامية إلي إلغائه . ولكن تركيبة البرلمان كانت في معظمها أما موالية لإثيوبيا أو عناصر تبحث عن المغانم والحياة المريحة .
و كان أحد الكتاب يكتب باستمرار لإقناع أعضاء البرلمان لاتخاذ موقف وطني ولكنه وصل إلي مرحلة اليأس منهم وختم مناشدته لهم ببيت من الشعر قال فيه :
* إذا كان شعري شعيراً لاستحسنته الحمير .
*ولكن شعري شعور فكيف تفهمه الحمير؟.
في ذلك المناخ تم افتتاح مدرسة ( هيلا سلاسي ) ومدرسة ( الأمير مكنن ) 1956-1957م كذلك تم افتتاح معهد المعلمين عام 1958م وكان للأخير دوراً هاماً في تعبئة الطلاب وتوجيههم للاعتصام والإضراب.
* ففي عام 1958 شارك طلاب معهد المعلمين ومعهم جميع الطلاب في إضراب العمال تضامناً معهم في مطالبهم .
* في عام 1959م – بعد إنزال العلم الارتري قام طلاب معهد المعلمين باعتصام في داخل الكلية خلعوا فيه ملابسهم احتجاجاً علي إنزال العلم وتم إلقاء الخطب والكلمات من قبل المعلمين والطلاب ومن هؤلاء :
1/ قبر لؤول ولد صيون – الناظر
2/ عمر موسى حاج – من المعلمين
3/ محمود تركاي
ولكن الحركة الطلابية في ( اسمرا ) أخذت شكلها ومحتواها منذ عام 1961- 1965م في تلك الفترة نظم الطلاب المظاهرات والإضرابات ضد الوجود الإثيوبي . و كان مركز تلك الحركة في .
1/ مدرسة الأمير مكنن الثانوية وكانت خلية العمل والتوجيه تضم – ولد يسوس عمار – ميكائيل قابر – سيوم عقبا ميكئيل – أسياس أفورقي ولد داويت تمسقن – هيلى ولد تنسئ ( درع ) قرزقهير تولدى وأخرون.
2/مدرسة هيلا سلاسى الثانوية ، وكان من ضمن خلية الطلبة هناك أحمد محمد ناصر ( رئيس الجبهة لا حقاً ).
كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية تزداد سوءا يوماً بعد يوم – وما زاد الأمر سوءاً التخلف التعليمي الذي كانت تعيش فيه إثيوبيا مقارنة بالدول الأفريقية المجاورة .
ففي عام 1960 كانت نسبة الطلاب الذين هم في سن الدراسة في المدارس الكينية تبلغ 62% في حين أن تلك النسبة في إثيوبيا لم تتجاوز 7% !! .
وينقسم نشاط الحركة الطلابية في ( أسمرا ) إلي مرحلتين الأولى 1958- 1965م وهي مرحلة العفوية والحماس .
الثانية : 1965- 1967م وهي مرحلة التنظيم والتنسيق بين مختلف المدارس بل والمدن ومن أهم أحداث المرحلة الأولى :
* إضراب المدرسة الإسلامية في اسمرا في النصف الثاني من الخمسينات
* إضراب مدرسة ( هيلا سلاسي ) والذي وأن لم يكن لأسباب سياسية واضحة بل كان تحت شعار إصلاح إداري ورفض اللغة الأمهرية إلا أنه أدى إلي تحطيم المعدات وواجهات المدرسة وأدى إلي اعتقال العشرات وردود الفعل كانت ذات أبعاد سياسية أكثر منها إدارية .
* عام 1961م – بلغ عدد الطلاب في مدرسة ( هيلا سلاسي ) أكثر من 350 – وكذلك تضاعف عدد الطلاب في مدرسة الأمير مكنن – الأمر الذي زاد من الأنشطة العفوية وتمرد الطلاب .
*عام 1962م بعد اندلاع الكفاح المسلح لم تكن أخبار الثورة معروفة علي نطاق واسع في أسمرا – ولكن الشرطة هي التي كانت تتهم الطلاب بالارتباط بالثورة كلما خرجوا في مظاهرة أو قاموا بإضراب وقد سمع الطلاب لأول مرة باسم ( حامد عواتى ) من الشرطة أثناء التحقيقات وأدركوا بأنهم ليسوا وحدهم ! .
وفي عام 1962م جاء قائد الشرطة ( تدلا عقبيت ) إلي مدرسة الأمير مكنن لتحذير الطلاب من الانخراط في أنشطة سياسية ، ولكنه فوجئ بشعار مكتوب بخط عريض علي بوابة المدرسة يقول :
(عاش حامد عواتى).
* في مايو 1962م نظم طلاب مدرسة الأمير مكنن إضراباً عاماً وقرروا الاتصال بالمدرس والطلاب الآخرين للخروج معهم للتظاهر إمام البرلمان الذي كان منعقد لمناقشة الميزانية.
ورغم تردد طلاب مدرسة هيلا سلاسي إلا أنهم انضموا إلي التظاهرة وخرج جميع الطلاب باتجاه البرلمان. ولكن الشرطة كان لديها علم بذلك فأقفلت الطرقات ولكن بعض الطلاب كسروا حاجز الشرطة وأمام البرلمان هتفوا:
نريد الحرية – ساعدونا !
وقد قام البوليس بضرب واعتقال العشرات من الطلاب ، الأمر الذي خلق وضعاً متوتراً وأكتسب الطلاب تعاطف الآباء وحتى المواطنين العاديين .
استمرت تلك الإضرابات لمدة أسبوع وأنضم إليها جميع الطلاب حتى في المدن الارترية الأخرى الذين قاطعوا الدراسة مطالبين بالإفراج عن زملائهم .
* في مارس 8/12/1965م تم تنظيم حملة طلابية من خلال اجتماع دعت إليه القيادة الطلابية في مدرسة الأمير ( مكنن ) وحضره ممثلون عن مدرسة ( هيلي سلاسي ) و المدرسة الفنية للنقطة الرابعة ( مساعدة أمريكية ) وكانت مطالب الاجتماع كما يلي :
- أن تتدخل الأمم المتحدة وتدين ضم إثيوبيا لإريتريا وأن تقوم بإجراء استفتاء حول مستقبل إريتريا .
- إغلاق القاعدة الأمريكية في أسمرا .
- طرد العناصر الإسرائيلية العسكرية من إريتريا .
- أن تتوقف إثيوبيا عن قفل المدارس والمؤسسات الصناعية في إريتريا .
كان ذلك تحدياً كبيراً للسلطات الإثيوبية التي أدركت أن محاولاتها لتقسيم الشعب الارتري علي أسس طائفية قد فشلت . إثيوبيا كانت تتهم جبهة التحرير الارترية بأنها ( إسلامية ) وإنها تتلقى الدعم من الدول العربية والإسلامية – أمال المسيحيون فهم ( الأبناء المخلصون ) !
ولكن فجأة قام هؤلاء ( الأبناء ) بمظاهرة داخل العاصمة ( أسمرا ) وطالبوا بأمور تتفق مع برنامج وسياسة جبهة التحرير الارترية ! ومنذ ذلك التاريخ دخلت الحركة الطلابية الارترية في ( اسمرا ) المرحلة الثانية – مرحلة التنظيم والارتباط بجبهة التحرير الإرتيرية .
أسمرا (2)
المرحلة الثانية بدأت في أغسطس 1965م عندما وصل إلي أسمرا مناضلان أرسلتهما قيادة جبهة التحرير الارترية لتكوين خلايا وتنظيم العمل الجماهيري . وصل كل من ( سيوم عقبا ميكائيل وولدويت تمسقن – وكانا أصلاً من طلبة مدرسة الأمير مكنن وكانا أصلاً من طلبة مدرسة الأمير مكنن لي أسمرا وقاما بعقد سلسلة من الاجتماعات لمناقشة كيفية العمل التعبوي وتنظيم الطلاب والمدرسين والوطنيين بصفة عامة .
كذلك وصل مناضل أخر من الجبهة ( سراج إبراهيم ) للقيام بنفس المهمة . ولكن تم اعتقال كل من ( سيوم و ( ولد داويت ) سريعاً بعد أن سلم أحد أعضاء القيادة الثورية نفسه للسلطات الإثيوبية وكشف مهمتهما.
في عام 1966م وصل مندوب أخر من الجبهة ( قيلاي قرماي ) والذي كلف لجنة مدرسة الأمير مكنن بالعمل علي تجميع جميع اللجان في المدارس الأخرى . ووفقاً لذلك التنظيم تكونت خلايا لجبهة التحرير في كل مدرسة علي أن ترسل كل مدرسة مندوبها إلي لجنة مدرسة الأمير مكنن والتي كانت بدورها ترفع تقاريرها إلي القيادة الثورية للجبهة في ( كسلا – السودان ) .
وقامت إدارة ذلك التنظيم بتكوين فروع في المحافظات الارترية الأخرى – كما تم تجنيد السائقين ( باصات وشحنات ) لنقل الرسائل والمنشورات وتم إعطاء أسم ( الاتحاد العام لطلبة إريتريا ) لتلك الحركة .
كان نشاط ذلك الاتحاد يشمل توزيع المنشورات – جمع المعلومات التي تطلبها الجبهة والقيام بعمل تعبوي يومي كان أحد نتائجه إفشال احتفال الدولة باليوبيل الفضي لعودة الإمبراطور ( هيلا سلاسي ) إلي العرش .
كما قام الاتحاد بتأجير ثلاثة منازل لإيواء الفدائيين من الجبهة للقيام بمهام محددة . بعد عام 1967م غادر بعض لجنة الاتحاد البلاد والتحق بالجبهة أو تم اعتقالهم والبعض الأخر التحق بجامعة ( أديس أبابا ) واستمر نشاطهم وتنظيمهم للخلايا هناك كان لدور الحركة الطلابية ( أسمرا ) دوراً هاماً في بلورة الروح الوطنية ورفع شعار ( الاستقلال الوطني ) في منطقة ( المرتفعات ) بحكم تركيبتها الاجتماعية والثقافية والدينية ، كانت تعتبر ( قاعدة ( للمشروع الإثيوبي ) بعد الحرب العالمية الثانية .
ولكن الجيل الجديد وبحكم وعيه وممارسات إثيوبيا ضد كل الارتريين أصبح في موقع أخر ومختلف عن ذلك الموقف الذي أتخذه آباؤه .
تلك كانت بداية الالتحاق بالمسيرة المسلحة التي قادها حامد عواتى وذلك كان المسار الذي أتجه إليه أبناء الهضبة الارترية .
ولكن هل كانت الصورة ( وردية ) دائماً والاتفاق والوفاق يسود علاقات القيادات الطلابية ؟
ليس من الموضوعية أن نقول ذلك فهناك دائماً ( عقول ) وميول ) تلعب دوراً يبدوا للوهلة الأولى بأنه ( اجتهاد ) خاطئ ولكن أثبتت الأيام فان ذلك كان توجها مؤسسا وممارسة تنطلق من فكر مختلف ومخالف لما كان سائد ومشتركاً بين رفاق المسيرة .
يقول ( ولد يسوس عمار ) في استرجاعه لأحداث تلك الفترة :
كنت رئيساً للمجموعة ولكني فوجئت ذات يوم بدعوة إلي اجتماع طارئ يحضره من لم يكونوا أعضاء معنا – وعندما سئلت عن الاجتماع من بعض الأعضاء : أجبت لا علم لي به ولا يمكن لاجتماع أن يعقد بدون علم أو موافقة الرئيس .
وعندما استفسرت عن الجهة التي تقف وراء الدعوة كانت الإجابة : أسياس أفورقي !! .
قد يكون ( ولد يسوس ) في نظر المسلمين مسيحياً – وهو كذلك – ولكن في نظر المسيحيين من أبناء المرتفعات فهو من ثقافة أخرى وقومية مختلفة ( بلين ) وهو ثالثا من المنخفضات ( كرن ) ! وشخص بتلك المواصفات لا يحق له أن يقود أبناء المرتفعات من المسيحيين !
تلك الفكرة كانت مؤشراً مبكراً علي تكوين العقلية الشوفينية والتي أدت إلي إنشاء الجبهة الشعبية ومن بعدها دولة الفئة الواحدة .
ذلك الخلاف ( الطلابي ) الذي بدأ في مدرسة الأمير مكنن تواصل وتصاعد في جامعة ( أديس أبابا ) وبعد ذلك في إطار الثورة – لم يتوقف أسياس أو يتراجع عن تصميمه عن تصفية هؤلاء الخصوم – فبعد أن أصبحت له اليد العليا في مرحلة الثورة قام بتصفية ( ولد داويت تمسقن ) وفي مرحلة الدولة قام باعتقال ( هيلى درع ) ومازال يطارد الآخرين.
إنها كانت صفحة مجيدة من نضالات الحركة الطلابية أثرت وتأثرت بما كان يجري في الخارج والذي كان جزءا من صورة شاملة رسمت ملامح الحركة الطلابية وحددت مسيرتها ومسارها .
أوربا بدأ التواجد الطلابي الارتري في أوربا منذ بداية الستينات عن طريقين :
* البعثات الإثيوبية الرسمية إلي بعض دول أوربا .
* الهجرة الفردية للطلاب خاصة من الشرق الأوسط .
وبحكم المناخ الديمقراطي في أوربا ( الغربية ) وسهولة التحرك بين الدول الأوربية ( قطارات – سيارات ) كان الاتصال بين الطلاب الارتريين في أوربا متواصلاً خاصة في مواسم الصيف .
كانت هناك مجموعات متفرقة هنا وهناك .
1- السويد – حروي بايرو – سلمون قشي – إدريس بادمى .
2- إيطاليا – يحي جابر – خليفة عثمان – يوسف برهانو
3- يوغسلافيا – أرقاي هبتو – فصوم قبرسلاس .
4- بولندا – هبتى تسفا ماريام – أمباي تولدى .
5- موسكو – نايزقي كفلو
وبعد سنوات من التواصل والحوار تم تكوين ( اتحاد طلبة إريتريا في أوربا ) وأصبح مقره ( بولندا ) كان الهدف الأساسي للاتحاد هو نشر القضية الارترية و إثبات الهوية الارترية ولكن مع بدء الانشقاق في جبهة التحرير بدأ الخلاف يبرز بين الطلاب الارتريين في أوربا . وفي عام 1971م شاركت بالصدفة في مؤتمر اتحاد طلبة أوربا في ( ميونخ ) في ألمانيا الغربية ، كنت في إجازة الصيف قادماً من بغداد للعمل خلال العطلة الصيفية . وكانت تجربة جديدة بالنسبة لي ومؤلمة في الوقت ذاته . شاهدت الشوفينية في ابشع صورها ورأيت صورة التعصب الطائفي ونفي الأخر بوقاحة ودون خجل أو تستر . ظهر الانقسام منذ اليوم الأول – مجموعة أعدت نفسها للهجوم علي قيادة الاتحاد ( مجموعة بولندا ) واتهامها بالانحياز و( العمالة ) للقيادة العامة لجبهة التحرير الارترية . لم أكن عضواً في المؤتمر ولكني كنت مراقباً ، بدأ المعارضون قراءة (لائحة الاتهام) – وقامت قيادة الاتحاد بالرد عليها ولكن كان واضحاً غياب لغة الحوار الموضوعي وعدم وجود أرضية مشتركة بين الطرفين .
ثم طالب المعارضون من المؤتمر الاستماع إلي رسالة مسجلة بصوت (ولدأب ولد مريام ) موجهة إلي المؤتمر . كانت الرسالة عبارة عن اتهام ملئ بالسموم والأحقاد ضد جبهة التحرير الارترية واتهامها بما ليس فيها وبما لم تفعله . وفي ختام الرسالة يبشر ولدأب ولد ماريام ، بطهور تنظيم جديد سينقذ الشعب الارتري هو قوات التحرير الشعبية ) ! ولكنه في حقيقة الأمر من تحليله ولغته وإشاراته كان يبشر بشي أخر لم يذكره هو تنظيم واتجاه أخر ظهر علي السطح فيما بعد هو ( الجبهة الشعبية )!؟ .
ولتلخيص الصورة عن مؤتمر ( ميونخ ) أذكر حادثتين :
- عندما أراد ( إدريس بادمى ) عضو المؤتمر من السويد الحديث باللغة العربية منع من ذلك ! ولكن ( بادمي ) قال لهم لا أعرف لغة أخرى ولغة الأم ( كوناما ) لا يعرفها أحد منكم ؟ قالوا له : تحدث بالكوناما ! وأنسحب بادمي من الجلسة ! .
- كان هناك عضو في المؤتمر من برلين الشرقية أسمه ( بيطروس كدانى ) وكنت أعرف موقفه فهو مؤيد للجبهة وجاء مؤخراً من السودان بعد أن كان متفرغاً لفترة وفوجئت بأحد المعارضين يقف ويطلب من رئاسة المؤتمر إعطاء الكلمة لبيطروس كداني !!.
ظننت في بادئ الأمر بأن الرجل قد لا يعرف ( بيطروس ) وقلت في نفسي ربما كانت ( لحظة يقظة ) للضمير واقتناعاً بالرأي الأخر ! ؟ .
ولكنني كنت واهماً وعلي خطأ كبير .
تقدم ( بيطروس ) إلي المنصة وقال ما عنده وكان كما توقعت : دفاعاً عن الجبهة وشرحا لمواقفها . وبعد أن انتهى تقدم نفس ذلك الشخص الذي طلب له الكلمة إلي المنصة ، وظننت مرة ثالثة ربما كانت لديه أسئلة واستفسارات وهذا من حقه ولكن حدثت المفاجأة الصدمة ! أخرج ذلك الشخص ورقة من جيبه وقرأ منها أسئلة موجهة إلي بيطروس .
- أسمك بالكامل
- مكان الميلاد
- القبيلة
وبعدها ألقى بقنبلته :
بما أنك تنتمي إلي قبيلة ( البلين ) التي قتلت أخوتنا ( ولداي كداني ) فأننا قررنا اعتقالك ومحاكمتك ثاراً لأخوتنا ) !؟
كان يشير إلي قيام القيادة العام لجبهة التحرير باختطاف وإعدام الشخصين المذكورين في إطار الصراع الذي كان يدور بين فصائل الثورة!
لم أكن أتوقع أن يعبر شخص عن تلك الأفكار وهو يعيش في أوربا بلد الحرية والديمقراطية ! ولكن بعد أكثر من عقدين من الزمان رأينا كيف أن هؤلاء الذين يعيشون في أمريكا وأوربا وقفوا إلي جانب الدكتاتورية لمجرد أن النظام يعبر عن ثقافتهم ويمثل هويتهم وطموحاتهم ، أنهم يعيشون في حالة انفصام يومي – يتعاملون مع مجتمع ديمقراطي ويدفعون عن الديمقراطية في أوربا وأمريكا ولكنهم يزيحون ذلك القناع عندما يتحدثون عن إريتريا !
أنتهي مؤتمر ( ميونخ ) إلي الفشل التام وذهب كل إلي حاله (واستطعنا تهريب بيطروس ) ليلا عبر الحدود ليعود إلي ألمانيا الشرقية سالماً (توفى بعد سنوات ) من تلك الحادثة أثر مرض .
تفرق الجمع وذهب من كان يؤيد ( جبهة التحرير والتحق بها ووصل بعضهم إلي مواقع قيادية فيها ( دكتور هبتى تسفا ماريام ) وذهب آخرون إلي الاتجاه الأخر .
وكانت المرحلة التالية هي الاتصال والتواصل بين الطلاب أوربا والشرق الأوسط وتأسيس ( الاتحاد العام لطلبة إريتريا ).