الحركة العمالية الأرترية لم تكن مثل كل الحركات العمالية في العالم أهدافها محصورة في خدمة أعضائها والمطالبة بحقوقهم ، فهي بالإضافة لذلك كانت محكومة في حركتها ومحتواها و أهدافها بما كان يجري في أرتريا سياسياً واجتماعياً ، لهذا تحولت من حركة نقابية تدافع عن حقوق أعضاءها لحركة ثورية تطالب وتدافع عن حقوق كل الشعب وحقه في المحافظة على هويته والعيش في أرضه بأمن وسلام بعيدا عن السيطرة الأجنبية .
الحديث عن الحركة العمالية الإريترية حديث ذو شجون فهي من ناحية أقدم حركة منظمة عرفها الوطن الارتري عبر الاتحاد العام لعمال أرتريا ، كما أنها الحركة التي بني عليها النضال الارتري ، فقد كان العمال الإريتريين أول من تقدم الصفوف في مقاومة الاستعمار الإثيوبي في خمسينات القرن الماضي عبر المظاهرات والإعتصامات والإضرابات ضد خطوات الحكومة الأثيوبية التي استهدفت النظام الفيدرالي ، واستمرت حركتهم في المقاومة سواء في العهد الفيدرالي أو بعد الضم ، فنالتهم يد البطش والتنكيل ، وأصبحوا عرضة لعمليات الاعتقالات الفردية و الجماعية والفصل التعسفي والتشريد وحل إتحاد العمال ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد أخذوا يضيقون على العمال سبل عيشهم ، فقاموا بنقل العدد القليل من المصانع الأرترية التي كان يعمل بها العمال إلى أثيوبيا ضمن سياسات النهب وتجفيف المنابع التي كانت تنفذها حكومة الإمبراطور هيلي سلاسي.
والجدير ذكره في هذا المقام أن العمال الارتريين كانوا أساس لكل فعل مقاوم فكانوا أساس حركة تحرير أرتريا فدعموها بالغالي والنفيس ، وعندما غابوا في القاهرة ساعة تكوين النواة الأولى لجبهة التحرير الأرترية بسبب البعد الجغرافي عوضوا ذلك بعد انطلاقتها بالسيل الجارف من الجنود الذين أمدوها به ، وبالخدمات الجليلة التي قدموها للثورة من داخل المدن الأرترية فانتظموا في خلاياها السرية وكانوا الشرايين التي عبرها تحيا الجبهة داخل المدن والقرى الأرترية فكانوا عينها الساهرة وشبكة استخباراتها وناقل رسائلها ومنشوراتها للجماهير الارترية ، وكذلك لم يبخلوا عليها بالمال فدعموها بسخاء ، والتاريخ يذكر الموقف الوطني النبيل للعمال الارتريين في السعودية في بداية انطلاقة جبهة التحرير الأرترية عندما جمعوا الأموال لشراء السلاح ، وهكذا أيضا كان بقية العمال الارتريين في الشتات لم يبخلوا بمساهمتهم في دعم الثورة في كل مراحلها ، كما أنهم كبقية أبناء الشعب الأرتري قدموا أرتال من الشهداء في تلك المسيرة الطويلة .
وبعد أن اشتد عود الثورة ، انتظم العمال في اتحادات عمالية فعقدوا مؤتمراتهم واختاروا قياداتهم فأصبحوا أكثر صلابة في دعم أهداف الثورة ورفدها بالمال والرجال ، كما أن تكوين اتحاداتهم قد فتح لهم المجال واسعاً للتحرك في المجالات الإقليمية والدولية وكذلك أتاح لهم الاحتكاك والتواصل بالاتحادات المشابهة ، وقد نجحوا في اكتساب عضوية الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وكذلك حصلوا على عضوية مراقب في منظمة العمل العربية ، وكان من شأن ذلك فتح مجالات لم تكن مطروقة لدعم الثورة .